الدراسة الحضارية وبنيتها وعلاقتها بالتاريخ

موضوع الدراسة الحضارية وبنيتها وعلاقتها بالتاريخ

السنة الأولى ل م د (سد 1)

المقياس: مدخل إلى الحضارة

المحاضرة رقم 4 ـ موضوع الدراسة الحضارية ـ

1- بنية الحضارة:

بناء على تعريف الحضارة نلاحظ أنها مبنية على أساسين أحدهما مادي والأخر روحي. لأننا لا نستطيع أن نفصل بين الظاهرة الاجتماعية في صورتها الروحية وصورتها المادية. فالنشاط الروحي لأي مجتمع من المجتمعات متأثر بالبيئة الطبيعية والظروف المادية والعكس صحيح.

وعلى هذا تكون الحضارة في مفهومها الفلسفي تعبير عن كل ما ينطوي عليه الكيان الاجتماعي من مبادئ السياسة، وسنن الاقتصاد، وقيم الأخلاق، مذاهب الثقافة، والمعتقدات الدينية.

2-علاقة الحضارة بالتاريخ:

ترتبط الحضارة بالتاريخ ارتباطا وثيقا، لأن الحضارة نشأت نشأة تاريخية وولدت من باطن علم التاريخ. وإذا كان أي إنجاز حضاري يحتاج إلى زمن لإتمامه. فإن الزمن عنصر أساسي من عناصر التاريخ. هذا بالإضافة إلى أن كليهما يهتم بالتجربة الإنسانية.

يتفق المؤرخون اليوم على اختلاف مدراسهم على أن موضوع التاريخ هو دراسة التجربة الإنسانية على وجه الأرض منذ ظهور الإنسان على هذا الكوكب إلى يومنا هذا.

أما الحضارة في حقيقتها هي حالة عقلية ونفسية قبل لأن تكون حقيقة واقعة. فالإنسان البدائي مثلا انتقل بعقله من العصر الحجري القديم إلى العصر الحجري الحديث؛ عندما تصور في ذهنه أنه يستطيع أن يصنع قطعة حجر على شكل قاطعة تكون أعون له في الصيد من الحجر العادي.

وهكذا في تطورات الإنسان كلها. فالصورة الحضارية ينبغي أن تكون حاضرة في الذهن قبل الحركة التاريخية؛ فالحضارة إذن هي سابقة على التاريخ.

نستنتج من ذلك أن الحضارة بالرغم من اتصالها بالتاريخ إلا أنها تختلف عنه من حيث كون التاريخ في موضوعه علم يبحث أو يدرس التجربة الإنسانية من حيث كونها واقعا قد حدث بالفعل في زمن ومكان معينين. أما موضوع الحضارة الذي تبحث فيه فهو الجهد البشري على أنه تجربة إنسانية متكاملة بغض النظر عن الزمان والمكان.

2- مقارنة بين دراسة التاريخ ودراسة الحضارة:

1- إن التاريخ يميل في منهجه التقليدي إلى التخصص فالمؤرخ عادة ما يكتفي من العصر الذي يؤرخ له بجانب واحد من جوانب النشاط الإنساني. كالسياسة مثلا، أو الإقتصاد، أو الحياة العقلية، أو الحياة الإجتماعية وهكذا...

أما إذا تناولنا حضارة من الحضارات، وحاولنا دراستها فنحن نجد أن النشاط السياسي متأثر بالنشاط الإقتصادي ومؤثر فيه، ووجدنا أن النشاط الثقافي متأثر بالسياسة والإقتصاد ومؤثر فيهما إلخ...

2- كما أن دراسة التاريخ درجت على تقسيم تاريخ الأمة الواحدة إلى مجموعة من العصور، أو إلى عهود. أما إذا حاولنا تطبيق ذلك على دراسة الحضارة تبين لنا افتقار هذا المنهج إلى العمق. وعدم ملائمته لها. لأن ذلك سيؤدي إلى قطع الصلة بين معالم الشخصية الحضارية وبين أصولها ومصادرها.

3- كما أن منهج دراسة التاريخ يتصف بالفردية، أي أن تيار الأحداث منبعث من إرادة فردية، وليس اتجاها جماعيا. فأصبحت معالم التاريخ وكأنها عبارة عن بطولات فردية.

3- خـلاصـة: من خلال ما سبق نستنتج أن قيمة الدراسة الحضارية تكمن في عدم اتفاقها مع منهج التاريخ في تصور الماضي وتفسير الأحداث. بل هي تجمع بين العنصرين التاريخي والفلسفي.

فهي تهتم بوجوه التفاعل والارتباط بين الاتجاهات الاجتماعية. كما تهتم بالنظرة الكلية التي تتضح من خلالها شخصية المجتمع الحضارية، وملامح نشاطه في كل اتجاه من اتجاهاته.

توقيع : رحيق الامل